أشعر بالندم هذا الصباح لأنني شاركت في نقاش حول ظاهرة التحرش بالنساء والفتيات في مصر. ناقشت بحدة ولم اصدق ان يكون في مصر متحرشون . فمن طبائع البشر ان ندافع عن ما نعتبره عزيزا. . فان جاءك شخص وقال لك ان بيتك غير نظيف لابد ان تبغضه وان تنفي عن بيتك تهمة الوسخ بكل ما اوتيت من حجة. وهكذا فعلت انا اذ دافعت عن المجتمع الذي نشأت فيه معتمدة علي ذكري اقراني وابناء الجيران الذين كانوا يعتبرون بنت الحتة خطا احمر يجب الدفاع عنه وحمايته.
بعد ذلك النقاش تعددت الروايات عن حوادث التحرش وقيل انها اسلوب اعتمدته بعض المجموعات المتشددة لتخويف النساء ومنعهن من الخروج من البيوت. ولكني لم اصدق ان يكون مثل هذا السلوك الملتو من طبائع المدافعين عن الدين. فلا يمكن تبرير فعل قبيح بتوظيف مبدأ الغاية تبرر الوسيلة خصوصا اذا كانت الوسيلة ذنبا قبيحا لا يغتفر. وفضلا عن كونه أمرا محرما فأنه ايضا سبب في قطع الارزاق لأن كثيرات يخرجن للعمل وكسب الرزق لمساعدة الاسرة وتربية الاولاد. ولا يخفي علي احد ان نسبة كبيرة من المصريات معيلات . وان سلمنا بأن اختفاء النساء من الاماكن العامة هو الحل نسينا ان الحل السليم هو محاربة فساد الاخلاق بكل اشكاله وعقاب المذنب عقابا يردعه عن تكرار الفعل القبيح.
هذا الصباح طالعتني علي الفيس بوك صورة طفلة لا يزيد عمرها علي عشر سنوات تمشي في مظاهرة سلمية وقد حملت لافتة كتب عليها: انا موش عورة انا شاركت في الثورة.
ذكرتني بأن الحشود التي اطلقت شرارة ثورة ٢٥ يناير كانت مؤلفة من رجال ونساء , شباب وشيوخ اجتمعوا علي هدف واحد وهو المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية. ولم ترصد حالة تحرش واحدة اثناء تلك الايام الاولي للثورة.
ومن الصدف المؤثرة انني شاهدت فيلما سينيمائيا علي الطائرة التي حملتني من بيروت الي لندن بعد مشاركتي في برنامج تليفزيوني. اما الفيلم فكان بعنوان ٦٧٨ رصد ثلاث حالات لنساء من طبقات اجتماعية مختلفة تعرضت كل منهن للتحرش بما دمر نسيج الحياة وضاعف ثقل الهموم النفسية . فالضحية الاولي موظفة حكومية محجبة تجاهد مع زوجها لتوفير نفقات تعليم طفلين. ولا تملك ما يكفي من الامكانيات المادية لركوب تاكسي بدلا من الباص المزدحم الذي يعرضها يوميا للتحرش المهين. والثانية زوجة طبيب ناجح يدعوها لمشاهدة مباراة كرةقدم فتتعرض للتحرش بسبب ازدحام الاستاد . فاذا بالزوج يهجرها لأنه علي حد قوله لا ينظر اليها ولا يفكر فيما تعرضت له وبذلك حولها من مجني عليها الي مشاركة في الجناية. والثالثة ابنة اسرة مثقفة ربتها علي التمسك بالمبدأ . كانت تعبر الطريق فاذا براكب سيارة يخرج ذراعه من النافذة ويقبض علي صدرها معتمدا علي قدرته علي الهرب مسرعا بالسيارة ولكنها تعدو وراء السيارة حتي اول اشارة مرور وتلقي بنفسها علي السيارة وترغمه علي الخروج لكي تسجل محضرا في القسم. وفجأة دفع بها خطيبها الذي يحبها وامها التي ربتها الي حالة صراع رهيب لأن الجميع طالبها بالتنازل عن القضية خوفا من الفضيحة وخوفا من اتهام الشارع والمجتمع .
تفجرت القضية حين عمدت الضحية المحجبة الي استخدام الدبوس الذي تثبت به طرحتها الي سلاح تغرسه في جسم المتحرش الذي يتعمد الالتصاق بها في الباص بلا حياء معتمدا علي خوف المرأة المتحرش بها من لفت
الانظار الي ما اصابها.
لم تكن نهاية الفيلم سعيدة بالمعني الرومانسي ولكنها نهاية تدعونا الي التفكير والتحليل ولا تشير باصبع اتهام الي جهة معينة . تدعونا نهاية الفيلم الي رفض المناخ النفسي الذي يفترض ان قلة الفلوس أو تأخر سن الزواج مبرر للتحرش. المجتمع النظيف لا يوحي الي امرأة بأنه من الاصوب ان تعتبر المتحرش بها حادث التحرش علقة تفوت ولا حد يموت .
فوزية سلامة